الأزهرمقالات وأراء

محمد الزهيري يكتب: جَامِعَةُ العَطَاء

تعودُ حلقات التدريس بالأزهر إلىٰ قاضي القضاة أبوالحسن بن النعمان المغربي، الذي تَحلَّق حوله الطلاب مستمعين إليه في أول حلقة علمية تعليمية سنة 365 هـ، ثم أشار الوزير يعقوب بن كلس، علىٰ الخليفة العزيز بالله سنة378هـ، بتحويله إلىٰ مَعْهَدٍ للدِّراسة.

فيرجع الفضل إلىٰ بن كلس، بأنه ألحق صفة التعليم بالأزهر،ما يؤكد بأن المرسوم الملكي الذي صدر عام ١٩٢٠م بإنشاء الثلاث كليات الشرعية، هو خطوة في تطوير التعليم بهذا الصرح وليس بداية التعليم به.

وسبقت جامعتي الزيتونة والقرويين “جامعتنا” في القِدَم، لا أنهما توقفا فترة من الزمن، وظلت “جامعتناعلىٰ مرِّ العصور مؤسسة تعليمية، فمنذ أكثر من ألف عام وهي منارة العلم وكعبته، وقبلة طلاب العلم من شتىٰ بِقَاع الأرض، ليتعلموا العلوم الشرعية والعربية، والطبيعية والإنسانية، وغيرها من العلوم التي بلغت أكثر من سبعين علمًا، وظلت مركزًا للوسطية والاعتدال، ونشر الثقافة الإسلامية وتعاليم الإسلام وقيمه السمحة التي لا تعرف الغلو ولا التطرف، وتعلم في أروقتها الملوك، والسلاطين، والرؤساء، وشيوخ الأزهر، والمفتون، والوزراء والسفراء والعلماء وغيرهم.

فتعدُّ “جامعتنا” من أقدم وأعرق الجامعات؛ بها نفخر ونعتز ونباهي بها الأمم والشعوب، حيث عطائها الذي لاينقطع، فهي أوَّل جامعة تولت الدولة الإنفاق علىٰ مُدَرِّسيها وتعهدتهم بالرعاية .. وعليها اعتمد محمد علي في بعثاته التي قصد بها النهوض بمصر، وقد ذكر الأمير عمر طوسون في كتابه الماتع الجامع «حول البعثات العلمية» التي قام بها جده، وقد نجحت نجاحًا باهرًا، أنه وجد في علماء الأزهر بتخصصاتهم وعلومه المختلفة بغيته…وما يزال عطاؤها متواصلًا مستمرًا ببعثاتها الخارجية، ووفودها التي تقصد شتىٰ الدول الإفريقية، والأوروبية، والأمريكية، والآسيوية، وقارة استراليا.

هي الجامعة التي احتضنت وتحتضن أكثر من مائة جنسية ومئات الآلاف من الطلاب الوافدين، واستضافتها للوافدين علىٰ نفقة الأزهر تجاوز أكثر من خمسمائة عام ..وصاحبة الكثير من المبادرات المحلية والعربية والعالمية، وخاصة التي تجابه بها خفافيش الظلام، وتقتلع جماعات التطرف من جذورهم .

ورغم أنها خطت خطوات ساطعة مع ركب “التحول الرقمي” إلا أنها تحتاج لانطلاقة أكبر، فتتحول إداراتها من “روتين” الدوسيهات إلىٰ ملفات الحاسوب، ومع كثرت كلياتها التي بلغت ٨٥ كلية في ربوع المحروسة، فهي تحتاج لاستغلال أراضيها الفضاء لبناء كليات مستحدثة .

ويحتاج قطاعها الطِبِّي الجامعي الذي يفوق في خدماته ست مرات أي قطاع طبي جامعي إلىٰ مزيدٍ من التطوير  والتزويدبالأجهزة والمعامل الحديثة .. تحتاج ل “هيئة كبار الأطباء” التي تماثل هيئة كبار العلماء فتساعدها في تقديم مهامها العقدية، والشرعية، والفكرية والعلمية.

تحتاج “جامعتنا” إلىٰ تدريب وتأهيل الموظفين للتحول الرقمي؛ وكيفية تعاملهم مع الطلاب وغيرهم بصورة أفضل مما هم عليه، فأكثر شكاوىٰ الطلاب من بعض الموظفين وأسلوبهم الذي لا يليق بأكبر مؤسسة دينية تعليمية عالمية .

كما يجب أن تحتوي وتحتضن طلابها المصريين أكثر مما عهدناها عليه وتسعىٰ لرفع مكانة الموظفين ماديًّا أسوة بغيرهم في الجامعات الأخرىٰ ..وأن تلبي نداءات أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بتزويد مرتباتهم وإيجاد حلول لمن لهم مظلمة وخاصة المحوَّلين لوظائف إدارية.

ولم تكن تلك الأمور بنقص يعيب “جامعتنا” فالكمال لله تعالىٰ وحده.. ونسأله أن يديم علينا هذه النِّعمة وأن تظلَّ جامعة الأزهر ناجحة ورائدة في التجديد والتنوير والوحدة والألفة لكلِّ الجنسيات ملأ العين والبصر في العالم كلِّه، وأقتبسها من دعاء سيدنا وإمامنا الراحل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي :“وسيظل الأزهر دائمًا رغم أنف كلِّ حاقد أو حاسد، أو مستغل أو مستغل، أو مدفوعًا من خصوم الإسلام”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »